الذوق الفني والهيمنة الاجتماعية
حميد اتباتو
يخضع الرأسمال الثقافي و تراكمه لاقتصاد خاص يقرأ بالضرورة باستحضار علاقات الإنتاج السائدة في المجتمع و قدرة هذه الجهة أوتلك على التحكم فيه خدمة لموقعها في الصراع الاجتماعي .و ما يهمنا أن نقف عنده هنا هو الشروط التي تدفع في اتجاه فرز الأذواق و برمجتها و تقييمها بناء على الهيمنة الإيديولوجية للغالب سياسيا و ثقافيا.قراءة الذوق في الواقع المغربي و اختياراته تخضع لمقاييس غير عادلة مهما أوهمتنا أجهزة الدولة بحرية الأفراد في الاختيار و الانتساب و مهما استعملت من شعارات مغالطة تموه على عنف التمايز الطبقي في الواقع من قبيل "العدالة الاجتماعية"و "السلم الاجتماعي" و غيرهما.
لقد أفرزت البرمجة المجتمعية لذوق الناس من موقع الهيمنة واقعا مأسويا لا ننتبه إليه ومن ملامحه البارزة الجهل الكبير بما يسميه بيير بورديو في "التمايز" "علم الذوق والاستهلاك الثقافي" وهو ما يؤدي الى تمجيد ما ينعته بذوق الإحساس والمتعة السهلة وتحقير ذوق التفكير والمتعة الصافية التي تعد المدخل الأساسي لتعريف إنسانية الإنسان، وهذا ما نمثل له بسخافات نكره على قبولها كواقع لا يرتفع منها تهيئة منالقد حسمت لاعدالة الإنتاج في مسألة الذوق فأصبح الناس يحكمون على اختيارات الأذواق وفق ما يريده منطق الهيمنة فيقولون "شيك" و "كلاس" و "هاي" لتوصيف ذوق فئة و يقولون "عروبي" و" مهبش"و"محرتك" و "صوفاج" وهكذا تتحول التوصيفات من حقل لآخر دون أن يتحول المضمون المنقول عبرها والذي يحيل على وجود اختيارين في الأذواق الأول متجاوز و كلاسيكي و من دون قيمة و الثاني حديث و ايجابي و من خلاله تقاس قيمة باقي الاختيارات وتسعر في بورصة الرأسمال الثقافي.
قد يبدو الأمر جد عاد للبعض أن توجد هذه الفرو قات إلا أن ما يوضع عكس ذلك هو أن تبخيس ذوق و تمجيد آخر هو نتاج للبرمجة الاجتماعية التي تنخرط فيها الأجهزة الإعلامية الرسمية و وسائط ترويج الثقافة في المجتمع و قداسات المهمين في الحقل الثقافي و الرمزي و الفني و هكذا تكره كل الفئات على استهلاك نفس الطرائق في النظر إلى الأشياء و تقييم الانتاجات ويكون ما تخدمه برامج الطبخ في التلفزيون هو الصيغة المثلى للآكل، و يصير غناء شابات وشباب أستوديو القناة 2 وما شابهه مما يقدمه نجوم سهرات القنوات المغربية هو معيار الذوق الغنائي، و تكون شخصيات المسلسلات المدبلجة في قنواتنا و طرائق عيشهم و حديثهم و حلمهم هو المثال الذي يجب الحلم به، و تكون فكاهة الحريرة أو برنامج كوميديا هي الصيغة المفضلة للضحك والإبداع فيه و يكون امتداح المركز بأجساده الاستعراضية و لغته المقولية، و أحاسيسه المصوغة،و تسفيه الهامش بكل مكوناته المدخل الضروري لتحقيق التمايز و الانتساب الحقيقي آو الوهمي لموقع المهيمن أكثر من هذا صيغة التظاهر و الاحتجاج في قضايا مجتمعية كبرى مثل الدستور خاضعة بدورها على مستوى الإخراج لمنطق الهيمنة ولهذا نجد المعارضين لحركة 20 فبراير والمناصرين للتصور السائد حول الدستور الجديد ينضبطون للقداس الأبدي الذي من علاماته التدثر بالعلم و حضور الفرق الفولكلورية و إحضار الطبول و الدفوف و توحيد بعض الفئات للباسها والاستعراض البارز للذات والإمكانيات إلخ.
طق سكن البسطاء بصيغة متوحشة وعنيفة حيث تبدو الأحياء الشعبية كغابات اسمنتية وجحور للاحتماء من البرد والحرارة فيما تبدو أحياء علية المجتمع فسيحة ومريحة و طافحة بالحياة، طبعا يكون للأساس الإقتصادي هنا الدور الأساسي في الاختيار إلا أن الإشكال الذي يطرح هنا هو حين يصير الاختيار الأول سبة وشتيمة وحين تعلن انتسابك الى المناطق الشعبية تعير قيمتك بشكل سلبي وهذا ما يضطر الكثير من الشباب لإخفاء انتسابهم عبر التماهي مع الذوق الغالب على مستوى اللباس وطريقة الحديث وغيرهما.
هناك أيضا تمجيد طرائق اللباس الرسمية وأماكن التسوق العصرية مثل أسواق المساحات الكبرى والمحلات التجارية الموجودة في مركز المدينة وبعض شوارعها الكبرى، و تمييزا للذوق يسير التسوق من محلات بعض المدن الكبرى كالرباط و البيضاء أو من خارج المغرب هو التسوق الذي له معنى . غنه ما يقال عن التمدرس حيث تبرمج اختيارات الناس لخدمة واقع الهيمنة كمثال على ذلك التسخيف الممنهج للدراسة بالمؤسسات العمومية حيث تكره فئة كبيرة من الأسرالمغربية على تسجيل أبنائها بمؤسسات خاصة مسايرة للذوق العام السائد وليس لأن المدرسة العمومية هي من دون أية قيمة بالفعل. المثال الأبرز الذي يهمنا أن نختم به هو التخريب الممنهج لشخصية المغلويين عبر وضعهم بين مفارقة صعبة هي الافقار الممنهج للمغلوبين على كل المستويات و برمجة ذوقهم عبر قنوات هائلة واكراههم على تقييم الأذواق و اختيارها من مدخلين لا ثالث لهما هما (الكلاس) و (العروبي) و(المهبش) وهذا ما يؤكد أن الذوق العام لا علاقة له بالاختيارات الشخصية بل بالهيمنة الطبقية في المجتمع مما يعني أن حقل الذوق هو حقل للصراع الأجتماعي و محاربة الهيمنة بامتياز.
مصدر : جريدة الاكترونية http://www.alkhabar.ma/
تابعونا على: